أنباء الجامعة
الجامعة
تعقد احتفالاً كبيرًا لترغيب الجماهير المسلمة
في
التبرع بالحبوب لصالح إطعام الطلاب
إعداد : الأخ مسعود عالم
البهاكلبوري
طالب بقسم اللغة العربية
وآدابها
تعريب : الأخ محمد أجمل /
طالب بقسم الإفتاء
عقدت جامعة
دارالعلوم / ديوبند احتفالاً موسعًا ضمن خطة جمع الحبوب من الشعب الهندي المسلم.
وذلك بجامعها الكبير الفخم الحديث البناء المعروف بـ«جامع رشيد» . انعقد
الحفل برئاسة فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن رئيس الجامعة ، بعد صلاة العشاء من الليلة
المتخللة بين الاثنين والثلاثاء 26/3/1428 و 27/3/1428هـ = 17/3/ 2007 و 18/3/
2007م، وحضره – إلى جانب طلاب الجامعة وأساتذتها ومنسوبيها – عدد كبير من الشعب
المسلم من القرى المجاورة والمديريات القريبة . تضمّن الاحتفال الجلستين استُهلّتْ
أولاهما بآي من القرآن الكريم التي سعد بتلاوتها فضيلة الشيخ المقرئ شفيق الرحمن
أستاذ التجويد بالجامعة ، ثم قدم الطالبان: الأخ شكيل أحمد الديناجفوري والأخ
إقرار أحمد البجنوري أنشودة الجامعة بصوتِ عذب ، وتلاهما فضيلة الشيخ عبد الخالق
المدراسي نائب الرئيس وأستاذ الحديث بالجامعة بالخطبة الرئاسية نيابة عن رئيس
الجامعة الذي لم يتمكّن من تقديمها لعوارض الشيخوخة المتكاثرة ، وكانت الخطبة
تتحدّث عن الإنجازات والتطورات التي تجتازها الجامعة حاليًا، والمشاريع المستقبلية
لها، والأخطار التي تتعرض لها المدارس الإسلامية في هذه الديار، إلى جانب الفتن
والمِحَن التي تُصَب على الأمة المسلمة الهندية من القوى المعادية ، إلى جانب أمور
أخرى .
قدّم فضيلة
الشيخ المدراسي – حفظه الله – في الكلمة الرئاسية الشكرَ الجزيلَ إلى الحضور
قائلاً: أيها الإخوة ! لَبّيتم نداء الجامعة وحضرتم بعد طي المسافات وتحمّل
المشاق، فنحن نكرم وِفادتكم ونقدّر علاقاتكم الروحية الوطيدة مع الجامعة، ونحن إذ
نوجّه إليكم الشكرَ الجزيل النابع من أعماق القلوب على ما أبديتم – وظلتم تبدون –
تجاهها من عواطف الود والمحبة ، نقدّم إليكم ترحيبًا حارًا على قدومكم . كما أحاط
فضيلته الحضورَ علمًا بمدى أهيمة الجامعة ؛ حيث قال: إن جامعتكم الأم هذه تشكّل
قلبًا خفّاقًا بالنسبة للأمة المسلمة في طول شبه القارة الهندية ، وتمثل رمز
الانبعات للإسلام والمسلمين في هذه الديار. وإنها رائدة النهضة التعليمة الواعية،
وإنها سجّلت تأريخًا جديدًا لخدماتها المتنوعة الهائلة ومآثرها الكبيرة الخالدة ،
كما سلّط الضوء على الأوضاع القاتمة التي أُسِّست فيها الجامعة وما لعبت من
الأدوار الغرى في مطارة الاستعمار البريطاني الذي ضيّق الخناق على الإسلاميين،
وتناول العلماء بالقتل الجماعي، ونفاهم من البلاد. وقال إن هذه الإنجازات الهائلة
التي حقّقتها الجامعة إنما يَرجع الفضل فيها إلى العلماء الربّانيين المخلصين الذي
شرح الله صدورهم لتأسيس هذه الجامعة . كما أكّد للحضور أن الجامعة لتحقيق المشاريع
الحالية والمستقبلية تحتاج إلى دعمكم المالي بأكثر مما كانت تحتاج في الماضي،
فعليكم أن تتسابقوا في تمويلها وإمدادها بالحبوب والمحصولات بنسبة أكبر مما قدّمتم
فيما مضى من الزمان .
ثم لفت أنظارَ
الحضور فضيلة الشيخ أرشد المدني مدير التعليم وأستاذ الحديث بالجامعة ورئيس جمعية
العلماء لعموم الهند – حفظه الله – بكلماته التي رَكّز فيها على إيجاد المجتمع
المتدين الصالح الذي يتحلّى بالصدق والأمانة ، ويعتني بإداء حقوق الآباء والأمهات
والأقرباء وذوي الصلات إلى جانب الإحسان إلى الجيران مهما كانوا . قال فضيلته : إن
مجتمعنا المسلم قد فسد للغاية، يتّسم بالخيانة والكذب في القول لأتفه أمور، وإداء
شهادة الزور، وإخلاف الوعود، يسوده الفساد والدمار، ويكثر فيه القتل والسلب
والنهب، وإنما فشى هذا الفساد الشامل فيه ؛ لأنه عاد مُفلسًا في الإيمان ، فلا
ينزجز عن إتيان المنكرات؛ وكي نفوز في الدنيا والآخرة نحن في أمس حاجة إلى تجديد
الإيمان والتمسك بوصية الرسول – ﷺ – الذي
أكَّد فيها لأصحابه أنهم إن يريدون محبة الرسول فعليهم أن يصدقوا في القول،
ويؤدّوا الأمانة، ويُحسنوا الجوارَ. قال – حفظه الله – إذا تمسكنا بهذه المبادئ
الثلاثة فسوف يعود مجتمعنا مجتمعًا صالحاً. وأضاف : إذا ألقينا النظرَ على مجتمعنا
وجدنا أن الفساد الشامل الذي يعمّه ، إنما أتى لأنه تخلّى عن هذه المبادئ الرئيسة
، كما حرّض – حفظه الله – الحضور على تدعيم الجامعة بالحبوب والنقود .
وتبعه فضيلة
الشيخ المفتي سعيد أحمد البالنبوري الأستاذ البارز لمادة الحديث النبوي بالجامعة
فبعد أن حمد وصلى تلا سورة العصر وقول الله – سبحانه وتعالى – إِنْ تَنْصُرُواللهَ
يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ . ثم تحدّث إلى الحضور في ضوء الآيات
المتلوّة فقال إن الفلاح في الدنيا والآخرة إنما هو معقود بالتمسك بالمبادئ
الأربعة التي تحويها سورة العصر: وهي الإيمان، والأعمال الصالحة ، والتواصي بالحق،
والتواصي بالصبر. فعندما يتحلى الإنسانُ بها يجني الفلاح في الدنيا والآخرة ،
ومهما يتخلّى عنها يحصد الحرمان والخسارة في الفانية والباقية . وأكّد فضيلته أننا
إذا ألقينا النظر على تاريخ البشرية مند بدايته إلى يومنا هذا نجد أن كلّ من تمسّك
بالمبادئ الأربعة حظي بالنجاح ، ومن حاربها ورفضها واجه الخسران وباء بغضب من
الله؛ فهذا إبراهيم خليل الله عليه السلام تمسك بالمبادئ فأفلح، وعادت النار عليه
بردًا وسلامًا ، وذاك «نمرود» صاحب
الحكم السلطة، حاربَها فواجه الخزي في الدنيا وله في الآخرة عذاب أليم مقيم ،
وإنها لخسارة أي خسارة . وهكذا موسى عليه السلام وفرعون و ....
وأكّد فضيلته
أن كل واحد من المبادئ الأربعة يرتبط بالذي يليه : فالإيمان يزداد ويتقوّى بالتقيّد
بالأعمال الصالحة، وهي تتأتى في حياة الإنسان بالدعوة ، والدعوة لايمكن الثبوت
عليها إلا بالتواصي بالصبر. وأضاف فضيلته : إن الدعوة تجلب الفتن والمِحَنَ على
الداعي ؛ ولكنه إذا يثبت على الدعوة ونصرة الحق مصابرًا محتسبًا بحيث لايداهن
ولايستكين ، يستقبله النصر الالـٰـهي الذي يُثبِّت قدميه، وتُفتَحُ عليه
أبوابُ الرحمات والبركات. وأردف قائلاً: إن سلفنا وكبارنا قاموا بنصرة الدين في
الفتراتِ العصيبة والظروف المعاكسة، فنحن نرى آثارها اليوم بشكل ملموس متمثلة في
الآلاف من المدارس الإسلامية في هذه الديار العريقة في الوثنية . وكي يقدِّر اللهُ
سبحانه وتعالى بقاءنَا ويُثبِّت أقدامنا في هذه البلاد نحن في أمسّ حاجة إلى أن
نشمر عن ساعد الجدّ وعضو القوة لنصرة الدين . كما شاطر فضيلته الهمَّ والحزنَ
الحضورَ الذين لحقت الخسارةُ الكبيرة حقولهم من أجل تهاطل الثلج والمطر الشديد،
وقال إنها بلاء من الله سبحانه وتعالى وقرأ الآية الكريمة : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ
وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّـٰـبِرِينَ (البقرة الآية:155) .
وانتهت الجلسة
الأولى للاحتفال على دعاء فضيلة الشيخ المقرئ محمد عثمان المنصورفوري نائب رئيس
الجامعة وأستاذ الحديث النبوي بها .
وفي اليوم
التالي وبالذات يوم الثلاثاء عُقدت الجلسة الثانية للاحتفال برئاسة فضيلة الشيخ «غلام رسول
خاموش» الرئيس
التنفيذي الموقّت بالجامع نفسه ، واستُهلِّت كالأولى بتلاوة القرآن الكريم التي
حظي بها فضيلة المقرئ «آفتاب عالم» أستاذ
التجويد بالجامعة . ثم استقطب اهتمامَ الحضور فضيلة الشيخ «محمود أسعد» المدني
الأمين العام لجمعية العلماء لعموم الهند وعضو مجلس الشيوخ بالبرلمان الهندي
بكلماته التي قال فيها: إن من عظيم نِعَم الله – سبحانه وتعالى علينا أنه جَعَلَنا
من الإنسان الذي فضّله على جميع الخلق، وأعظم منه أنه – سبحانه وتعالى – وهَبَنا
العقل الذي نميز به النافع من الضار والصالحَ من الخبيث ، من حُرِم هذا الجوهر النفيس
فلا فرق بينه وبين الحيوان ؛ ولكن الذي هو أعظم من هذا كله أنّه أكرَمَنا بالإيمان
الذي هو مفتاح السعادة في الأولى والآخرة، وأسعدنا بالانتماء إلى – رسولنا المصطفى
– عليه الصلاة والسلام – الذي جَعَلنا من الأمة هي أفضل من جيمع الأمم السالفة ؛
فعلينا أن نشكر الله على هذه النعمة العظيمة التي لاتدانيها أي نعمة ، والشكر إنما
يتم منا إذا عرفنا الله حقَّ معرفته و نحتضن الشريعة ونقوم بنصرة الدين في السراء
والضراء. كما ألقى فضيلته الضوء على الخدمات الجسيمة المتنوعة التي قامت بها
الجامعة في شأن نشر التعاليم الإسلامية وتعميم العقيدة الصافية ودحض الفتن
الضالّة، وأثنى على إنجازاتها الهائلة، وأكّد أن هذه الجامعة تشكل معقِلاً
إسلاميًا بالنسبة لنا فعلينا أن نسعى جاهدين في إحكامها وتدعيمها بالعطاء والدعاء.
ثم تفضلّ على
كرسي الخطابة فضيلة الشيخ «قمرالدين» الموقّر
أستاذ مادّة التفسير والحديث النبوي بالجامعة ، فتلا «سورة
الكوثر» واسترعى
أنظارَ الحضور قائلاً: ايها الإخوة ! إن الله – سبحانه وتعالى – بشّر رسولَه –
عليه الصلاة والسلام – بالخير الكثير في هذه السورة ، ثمّ أمره بتقديم التضحيّات
الجسمية والمالية ؛ حيث قال : «فَصَلِّ لِربِّكَ
وَانْحَرْ»، فهذا
الحكم يعني الرسول – عليه السلام – عن طريق مباشر؛ ولكنه لايقتصر عليه وإنما يعني
الأمّة أيضًا بواسطته – ﷺ – فعلينا
أن نقدّم التضحيات الجسمية والمالية بسخاء، فلا نالو جهدًا في طاعة الله – سبحانه
وتعالى – ولا نبخل عن الإنقاق في سبيل الله مما أكرَمَنا به، فإن هذا سيجلب
البركات والخيرات لنا وسوف يرجِّح كفةَ حسناتنا يوم القيامة .
وبعد خطابه –
رعاه الله تعالى – جاءت نوبة إبداء الآراء والأفكار من قبل الممثلين القادمين الذي
كانوا يُمثّلون شتى القرى والمدن والمديريات، واستمرت السلسلة طويلاً .
وبعد ذلك
تقدّم فضيلة الشيخ المقرئ محمد عثمان نائب الرئيس وأستاذ الحديث بالجامعة، فقرأ
الآية الكريمة: «وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُه وَهُوَ خَيرٌ الرَّازِقِينَ» (السبا/ الآية39)
وتحدّث إلى الحضور في ضوئها مؤكِّدًا أن من يتسابق في الخيرات، ويبذل في سبيل الله
مما أعطاه، فهو – سبحانه تعالى – يُضاعف أمواله ، ويُسعده بالبركات والخيرات ،
وأمّا من يبخل ويمتنع عن الإنفاق لوجه الله – سبحانه وتعالى – فهو يمحق أمواله ؛
حيث تضيع سدى في أمور غير مُجدية لاتعنيه ولا الآخرين من الإخوان . وأضاف فضيلته
مؤكِّدًا أن الحديث النبوي يقول: إن هناك ملكين يدعو أحدهما بالبركة للمنفقين في
سبيل الله فيقول: اللهم أعط مِنفقًا خلفًا، والآخر يدعو على المقترين المُمْسكين
بضياع أمواله فيقول اللهم أعط مُمسكاً تلفًا. وأضاف – حفظه الله سبحانه – قائلاً:
إن هذا الاحتفال الذي تعقده الجامعة ضمن خطة جمع الحبوب من الشعب بدأت سلسلته على
يد العالم الرباني الجليل والمحدث الكبير والمجاهد الباسل الشيخ حسين أحمد المدني
شيخ الحديث – رئيس مشيخة الحديث – بالجامعة، المعروف في ديارنا الهندية بـ«شيخ
الإسلام، الذي استقطب – رحمه الله – الشعب الهندي المسلم من خلال جولاته إلى القرى
والأرياف إلى جامعة دارالعلوم / ديوبند، وجمعهم في رحابها ، وحرّضهم على تدعيمها
بالحبوب ؛ فلبّى الشعبُ دعوته، ومن هنا ابتدأت هذه السلسلة، ثم لعب نجله الرشيد
وخلفه الأمين فضيلة الشيخ أسعد المدني – رحمه الله – دورًا بارزًا في تنشيط
السلسلة من خلال تنقلاته وتحرّكاته الدعوية، فهما – الأب والابن – سنّا سنّة حسَنة
يصل أجرها إليهما موفورًا إن شاء الله .
ثم تناول
فضيلةُ الشيخ «غلام رسول
خاموش» الرئيس
التنفيذي الموقّت الكلمةَ وخاطب الحضور، داعيًا إياهم إلى تبنى ثلاثة أمور لإيجاد
المجتمع الصالح : الأول أن يكسبوا الحلالَ ويمتنعوا تمامًا عن كسب الحرام، الثاني
أن يكلِّفوا بناتهم بارتداء الحجاب قائلاً: إن البنات المسلمات يبرزْنَ سافرات من
بيوتهن ، ويتجوّلن في الشوارع والأسواق ، ويتخطين كل حدود في تقليد المجتمع الغربي
الفاسد إن هذه الظاهرة مؤلمة جدًا وإنها تجلب علينا الفساد والويلات ، فعلينا أن
نكلِّفهن ارتداء الحجاب ونمنعهن عن التردّد على الأسواق . والثالث أن يجعلوا
زواجهم وأعراسهم في ضوء السنة والشريعة ، ويتجنّبوا تمامًا تبديدَ أموالهم بأيديهم
جريًا وراء الفخر الكاذب والسمعة الزائفة والتقاليد الخرافية . وانتهى الاحتفالُ
بدعائه – حفظه الله – وقام بإدارته فضيلة الشيخ محمد سلمان البنجوري أستاذٌ
بالجامعة حفظه الله .
* * *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الأولى – جمادى
الثانية 1428هـ = مايو – يوليو 2007م ، العـدد : 5–6 ، السنـة : 31.